البلوجرز بين الشهرة وغسيل الأموال

لم تعد ظاهرة البلوجرز أو “المؤثرين” مجرد نشاط ترفيهي على مواقع التواصل الاجتماعي، بل تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى صناعة ضخمة تدر ملايين الجنيهات على أصحابها.

 

وان هذا النجاح السريع يجذب الأنظار، فقد تحولت هذه الفئة إلى محور جدل مجتمعي وقانوني بعد القبض على عدد من البلوجرز بتهم تتراوح بين التهرب الضريبي، والاتجار غير المشروع في العملة، وصولًا إلى أخطر هذه التهم وهي غسيل الأموال. 

هنا يثور السؤال: كيف ينظر القانون المصري إلى هذه الظاهرة؟ وهل كل بلوجر ناجح معرض للمساءلة؟

القانون المصري كان واضحًا في تعريف جريمة غسل الأموال. فقد نص القانون رقم 80 لسنة 2002 بشأن مكافحة غسل الأموال على أن كل فعل يقصد به إخفاء أو تمويه طبيعة أموال متحصلة من جريمة، أو تغيير حقيقتها لدمجها في النظام المالي المشروع، يعد جريمة قائمة بذاتها. 

بعبارة أبسط: حين تأتي الأموال من مصدر غير مشروع مثل المخدرات أو الاتجار في النقد الأجنبي أو حتى النصب الإلكتروني، ثم يحاول صاحبها إظهارها وكأنها أرباح من نشاط تجاري عادي أو من الإعلانات، فإن ذلك يمثل غسيل أموال مكتمل الأركان.

لكن لماذا ارتبطت هذه الجريمة مؤخرًا بالبلوجرز؟ الحقيقة أن البلوجرز أصبحوا يحققون أرباحًا ضخمة من خلال منصات التواصل الاجتماعى المختلفة بعضها مشروع بالفعل من خلال إعلانات رسمية أو تعاقدات واضحة. 

لكن على الجانب الآخر، كشفت التحريات أن بعض هؤلاء المؤثرين كانوا يتلقون تحويلات مالية هائلة من مصادر مجهولة أو عبر وسطاء، وأن حجم هذه التحويلات لم يكن يتناسب مع نشاطهم المعلن. هنا تدخلت اجهزة الدولة الرقابية والنيابة العامة لرصد الحسابات البنكية، وتبين أن هناك محاولات لتمرير أموال مشبوهة على أنها عوائد إعلانية أو هدايا من المتابعين.

العقوبة التي يقررها القانون المصري في هذه الحالات شديدة الصرامة. فجريمة غسل الأموال لا تقتصر على السجن الذى يصل الى سبعة سنوات فقط، بل تمتد إلى مصادرة الأموال محل الجريمة، وفرض غرامة تعادل مثلي قيمتها. بمعنى أن المتهم لا يخسر سمعته فقط، بل يخسر كل ما جمعه من ثروة، ويظل وصم الجريمة يلاحقه مدى الحياة. وهو ما يجعل هذه القضايا مرعبة لكل من يحاول التحايل على القانون أو استغلال الشهرة كستار لإخفاء جرائم مالية.

ورغم ذلك، فإن القانون يفرق بين الربح المشروع والمال المشبوه. فالمؤثر الذي يعلن عبر شركات معروفة ويحوّل أرباحه عبر البنوك المصرية بشكل رسمي، ويقوم بتسوية موقفه الضريبي، لا يواجه أي مشكلة. بينما المؤثر الذي يدخل أموالًا من الخارج دون الإفصاح عنها، أو يتعامل عبر وسطاء لتحويل مبالغ كبيرة بلا سند تجاري واضح، فإنه يعرض نفسه مباشرة لشبهة غسل الأموال.

القضية في جوهرها ليست صراعًا بين الدولة والبلوجرز كما يتصور البعض، بل هي محاولة لضبط حركة الأموال وضمان ألا تتحول المنصات الإلكترونية إلى غطاء لجرائم أكبر. فالخطر الحقيقي أن يتم استغلال هذه القنوات في إدخال أموال قادمة من تجارة المخدرات أو الإرهاب أو الاتجار بالبشر، ثم إعادة تدويرها على أنها أرباح إعلانية أو هدايا من المتابعين. وهنا يتضح أن حماية الاقتصاد الوطني لا تقل أهمية عن محاسبة الأفراد.

إن ما يحدث اليوم رسالة واضحة: الشهرة ليست حصانة، ومهما كان عدد المتابعين أو حجم الأرباح، فإن القانون يظل هو الفيصل الوحيد. ولعل أبرز ما تكشفه هذه القضايا أن الرقابة المالية في مصر أصبحت أكثر دقة ونشهد كل يوم من حملات تطهير موسعة، وأن أي أموال لا تستند إلى مصدر مشروع ومعلن ستظل محل مساءلة. 

ولذلك، فإن الطريق الآمن أمام البلوجرز الحقيقيين هو الشفافية الكاملة: توثيق مصادر الدخل، والإفصاح عن التعاقدات، والالتزام بالقوانين الضريبية والمالية.

 

ويبقى الدرس الأهم للمجتمع أن خلف بريق الشهرة على السوشيال ميديا قد تخفى جرائم مالية كبرى، وأن القانون المصري لا يتهاون مع أي محاولة لتمويه الأموال أو غسلها تحت أي مسمى. إنها معركة بين اقتصاد نظيف وممارسات غير مشروعة، والفيصل فيها دائمًا سيكون ميزان العدالة.

بقلم الاستاذ/ إسلام فتحى المحامى بالاستناف العالى والمحاكم الجنائية. 


بيانات التواصل بالمكتب:

  • العنوان: 15 شارع بنك مصر، قسم ثان، المنصورة – محافظة الدقهلية.

  • الهاتف: 01556681993 / 01111414488

  • مواعيد العمل: اطلع عليها من هنا

  • ويمكنك حجز موعد للحضور للمكتب او استشارة اونلاين من خلال الضغط هنا